مدى فعالية تدبير الدراسة عن بعد في المغرب في ظل انتشار جائحة كورونا.



مدى فعالية تدبير الدراسة عن بعد في المغرب في ظل انتشار جائحة كورونا.

يشهد العالم حاليا و كما تعلمون أزمة عظمى، إنه الوباء الفتاك ( Corona Covid 19 ) , فيروس انطلق تداعياته من مدينة ووهان بالصين في أوائل شهر يناير 2020، و حتى يومه 21 مارس 2020 كان و مازال هذا الفيروس يحصد المئات من الأرواح يوميا في أزيد من 100 دولة ، خاصة الصين، إيطاليا، و إيران. و أمام هذه المعظلة قامت مختلف الدول بمجموعة من التدابير الوقائية كالحجر الصحي، و نشر الوعي بضرورة عدم الاحتكاك و التزام شروط النظافة و السلامة الصحية، بل وصل الأمر في بعض الدول إلى منع التجوال، و توقف عجلة الاقتصاد. و بلدنا هذا لم يسلم من هذه الجائحة إذ بعد شهرين تقريبا من انتشار الوباء، سجلت أول حالة في المغرب في الاثنين 2 مارس 2020 ، وكان الأمر يتعلق  بأجنبي آت من إحدى بؤر الفيروس، و بعده بثلاثة و عشرون  يوما وصل عدد المصابين بالفيروس إلى 170 حالة ، شفي منها 5 حالات ، و وافت المنية أربعة، و كغيرها من الدول، المملكة المغربية قامت بمختلف الاجراءات الاحترازية، بل و كانت أكثر ضبطا و شدة فيما يتعلق بمنع تفشي فيروس كورونا ، فبعد إعلانها عن توقف أنشطة مختلف الوزارات ، و أهمها وزارة التعليم؛ كإجراء احترازي أعلنت وزارة التعليم المغربية عن إيقاف الدراسة و إلى اشعار آخر ابتداء من 16 مارس 2020، و أكدت من خلال إعلانها أنه ستتم مواكبة الدروس لمختلف المستويات عن بعد ، إلا أن هذا التدبير و حسب رأينا المتواضع لم يكن سوى حروف فارغة على ورقة بيضاء، وهذا يعود لسبيين اثنين نتناولهما فيما يلي:

1_ تدبير الدراسة عن بعد في المغرب أمام قطاع قل نوره عن قرب.


1-1_ المستويات التعليمية الابتدائية، الإعدادية، و الثانوية.



بعد الإعلان الذي الذي جاءت به وزارة التربية و التعليم ، و و فقا لما أكدت عليه في هذا الإعلان، و ما أكد عليه السيد وزير التعليم سعيد أمزازي، و السيد رئيس الحكومة سعدالدين العثماني، أن توقيف الدراسة لم يكن تقديما للعطلة البينية للدورة الربيعية ، و لا عطلة استثنائية، و إنما توقيف لظرف طارئ ، و كتدبير لهذه الأزمة تعهدت الجهة الوصية بتفعيل مختلف الوسائل الممكنة لمتابعة الدروس عن بعد؛ حيث عملت على فتح منصة TelmidTice  على أساس أن هذه المنصة ستقدم جميع الدروس لمختلف المستويات من الأولى ابتدائي إلى مستوى الثانية باكلوريا، إلى جانب ذلك تم استخدام القناة الرابعة لبث الدروس المتعلقة بالمستويات الإشهادية ، ورغم تقديم الدروس إلا أن تلاميذ المغرب واجهوا عدة صعوبات في عملية التحصيل عن بعد لأسباب نجملها فيما يلي:
أ- التصنيف الرديء المعتمد في المنصة الإلكترونية
ب_ نشر الدروس بعشوائية و عدم اعتماد الترتيب المعتمد في المقررات الدراسية.
ج- اقتصار بث الدروس في القناة الرابعة فقط على المستويات الإشهادية.
د_ الاهتمام بالشعب العلمية أكثر على حساب الشعب الأدبية.
كان بإمكان الجهات الوصية أن تستغل مواقع تشتغل أساسا في هذا المجال، و تطلب المساعدة من شركات الاتصال بجعل الموقع المخصص مجانا ، و تلزم الأساتذة ذوي الكفاءة و الشهرة بمساعدة باقي الأساتذة بطرح الدروس عن طريق الفيديو المباشر ، و التنسيق مع ثلاث قنوات وطنية على الأقل، و إذاعات الراديو أيضا ، إذ تخصص قناة و إذاعة للابتدائي، و أخرى للاعدادي ...
و إلزام التلاميذ بالمتابعة،  عن طريق إخبارهم أنهم سيمتحنون في كل الدروس التي تم بثها.

2-1_ الدراسة عن بعد في المؤسسات الجامعية.


المؤسسات الجامعية هي الأخرى أخذت بهذه الفكرة ، و عملت على إنشاء منصات إلكترونية،
إلا أن هذه المنصات اقتصرت على الملفات المكتوبة ، و بعض الأستاذة اكتفوا بنشر كتبهم على المنصة، في وقت يحتاج فيه الطالب، خاصة طلبة الإجازة إلى شرح لمحتويات الكتب وتبسيط الأفكار، فلا يمكننا أن ننفي مدى أهمية المحاضرات و الشروحات الحية، في علاقتها كذلك بمدى صلاحية المعلومة؛ لأن المستوى الجامعي يتطلب كثيرا من التدقيق في الجوانب المعرفية، إن بعض الملفات العلمية و المؤلفات الجامعية تتسم بنوع من إظهار القدرات البلاغية، و إبراز جانب من فلسفة التخصص المدروس، و هذا ما يجعل الطلبة عاجزين أحيانا عن التحصيل لوحدهم، فيصبحون بحاجة إلى الأستاذ، وبالخصوص طلبة السنة الأولى الذين يواجهون مصطلحات غريبة إلى مبهمة أحيانا بحسب معرفتهم.
في حين كان بإمكان الجامعات أن تطلب من الأساتذة التجند لفتح قنوات أو صفحات لتقديم المحاضرات عن بعد، و تتكلف كل كلية بنشر الروابط و اسم الأستاذة و الوحدة المدروسة في منشورات تحدث كل يوم على موقعها الخاص، هذه أبسط خطوة كان بإمكان الكليات فعلها، أمام كثرة الوسائل و التطورات التكنولوجية، فلا يوجد اليوم أستاذ لايتوفر على هاتف ذكي و حاسوب ، إلا بإرادته، و قليل هم الطلبة الذين لا يتوفرون على هواتف ذكية و حواسيب أيضا، أما مسألة بيانات الاتصال فهي واجب وطني و أخلاقي على شركات الاتصال في ظل حادث فجائي كهذا، فقد كان بإمكانها تحديد و حصر المواقع التي تقدم خدمة التعليم و جعلها بالمجان ، خاصة أن مواقع التسلية هي اليوم شائعة.
لكن العتاب ليس للجهات المسؤولة وحدها، فهي في وضع لا تحسد عليه، و بدل قصار جهدها في محاولة لتوفير الدروس و توعية مختلف المؤسسات بهذه العملية، الجانب الأكبر من المسؤولية يعود على الطلبة و التلاميذ و أولياءهم.

2- التدريس عن بعد في وسط تتنافى فيه قيم المسؤولية .


1-2_ الأساتذة و دورهم في إنجاح عملية التدريس عن بعد.


مختلف الأساتذة في المغرب طالبوا بتمتيعهم من حق توقيف التدريس خوفا على صحتهم، لكن هذا لا يمنعهم من مواصلة الدروس عن بعد، و ذلك من خلال التنسيق مع تلامذتهم و طلبتهم على التواصل و إتمام الدروس من خلال مواقع التواصل الاجتماعي ، خاصة تطبيق واتساب، و قام الأساتذة بإعداد ملفات Doc, و PDF و شرائح Powerpoint، ومن الأساتذة من أخذ البادرة و سجل بما يتوفر عليه من وسائل فيديوهات يشرح فيها الدروس بشكل مباشر على فيسبوك أو يوتيوب ، و هناك من أخذ عبئ التحضير ، التصوير ، و التعديل على الفيديو ثم النشر . إلا أن هذه الفئة كانت قليلة. يمكن أن نقول أن هذا كافي للطالب الجامعي، لكن كيف هو الأمر مع تلميذ الابتدائي و الإعدادي ، هل يستطيع التحصيل من خلال تلك الملفات؟ ، هذا إن توفر له جهاز ذكي. و ماذا عن تلاميذ القرى؟
أما الأساتذة الجامعيون فهم الآخرون ، بادرو بوضع الملفات العلمية على شكل pdf و طرحها على المنصات الالكترونية. لكن ماذا يريد الطالب بملف هو أصلا يتوفر عليه في نسخة مطبوعة. إن الصورة تلعب اليوم دورا مهما في العمليات التعليمية و التوجيهية، و هذا ما يحتاجه الطلبة، إن الوقت الذي يقوم فيه الأستاذ بنسخ الملف و طرحه على المنصة ، كان بإمكانه تصوير فيديو و طرحه ، ليكون بذلك كأنه ألقى محاضرته بالشكل المعتاد، قد أخدت بعض الجامعات بهذه الفكرة لكنها قليلة.
رغم كل هذا لايمكننا أن نحمل كامل المسؤولية للأستاذ، فالتلميذ و الطالب يتحملون المسؤولية كذلك.

2-2_ التلاميذ و الطلبة و دورهم في إنجاح العملية.


بعد انطلاق جميع المنصات التعليمية، و بث الدروس على القنوات التلفزية بالنسبة للتلاميذ ، تكاسل التلاميذ في تلقي هذه الدروس ، فهم اعتادوا على الأستاذ الذي يفعل كل شيء، وهم يكتفون بالتدوين، تبين أن التلاميذ لا يستطيعون تحمل عبء المسؤولية فيما هو واجب عليهم من أمور الدراسة، ما إن توقفت المدارس، توقف معها التلاميذ عن عملية التحصيل، إلا من رحم ربي من ذوي الرغبة في التعلم و الدراسة. فهذا أيضا عامل أكبر جعل عملية التدريس عن بعد شبه مستحيلة، في حين كان بإمكان التلاميذ بمساعدة أحد الوليين أو الإخوة ، أو ذوي المستوى، أن يضعوا خطة للتمدرس عن بعد و التزامها تحت رقابة الوالدين، هذا بالنسبة لتلاميذ الجذع المشترك فما أقل. أما تلاميذ الباكلوريا، فهم مأهلون للتحصيل لوحدهم، لكن الكارثة هي تعود و تعويد على عدم تحمل عبء مسؤولية التحصيل، فكيف لتلميذ أشرف على باب الجامعة، لايستطيع تحليل درس لوحده ، خاصة مع توفر كل هذه الوسائل، من ملخصات و دروس على الأنترنيت ، و تبسيط للمنهجيات، ناهيك عن الدروس التلفزية، أظن أن الأمر كاف لتلميذ يقاتل من أجل النجاح و يسعى للتفوق. و كي لاننسى فالطلبة الجامعيين بدورهم كثير منهم الآن غارق في كسله يتجول بين الصفحات الالكترونية، ينتظر من الأستاذ أن يلقي درسا حيا عبر المباشر أو طرحه على المنصة ... أو غير ذلك، يا بني استيقظ أنت طالب، هل تدري معنى كلمة طالب باحث؟ المسؤولية عليك لوحدك، الأستاذ لم يعد إلا موجها، أنت من يتحمل عبء البحث عن المعلومة، و تزويد المعجم الخاص بأكبر قدر من المعارف، أيها الطالب لاتنتظر أحدا ليمدك بما عليك حفظه و استفراغه يوم الامتحان، كن على وعي بأنك في مرحلة التكوين؛ تكوين الذات و اكتساب الملكة الفكرية الخاصة ، فقم و اصنع تميزك لنفسك.


               وآخر القول أن النتائج بعد مرور الجائحة هي المحدد الأساسي، الذي سيؤكد كلامنا هذا، أو سيضرب به عرض الحائط، فهذه مجرد تصورات خاصة، لكنها تحاكي الواقع بكل تلقائية، وليس تنقيصا من عمل مرفق التعليم بالمغرب، و إنما غيرة عليه، و نتمنى من العلي القدير أن يرفع عنا هذا البلاء، و تعود المياة لمجاريها، و بأقل خسائر ممكنة، و السلام عليكم.


                   بقلم: عبدالكريم ايت بن عمار








تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دروس جميع المواد للسنة الثالثة إعدادي أحرار

كيفية التسجيل بجامعة القاضي عياض